المحرقة- من الهولوكوست إلى غزة..إنكار الغرب ومجازر التاريخ تتكرر

المؤلف: حسين شبكشي10.04.2025
المحرقة- من الهولوكوست إلى غزة..إنكار الغرب ومجازر التاريخ تتكرر

المحرقة النازية المروعة التي استهدفت اليهود في القارة الأوروبية، تُعدُّ بلا شكٍّ، من أهم الأسباب التي أرسَتْ دعائم النظام العالمي المعاصر، وبرز ذلك جليًا في أعقاب الحرب العالمية الثانية. الشعور الجماعي العميق بالذنب الذي تملَّك المجتمعات الغربية وقادتها السياسيين تجاه اليهود، كان الدافع الأكبر للتبرير السافر والتغاضي المتعمد عن الممارسات العنصرية والسياسات الاستعمارية ونظام الفصل العنصري "الأبارتايد" البغيض، الذي مارسته الميليشيات اليهودية الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ممّا عزز بشكل راسخ فكرة المظلومية اليهودية. لكن من الضروري بمكان أن نتذكر دائمًا أن المحرقة النازية التي أودت بحياة اليهود في أوروبا لم تكُن الإبادة الجماعية الوحيدة التي شهدها التاريخ الإنساني.

فقد شهدت مناطق متفرقة من العالم سلسلة من الإبادات الجماعية المروعة، ارتكبتها القوى الغربية، منها على سبيل المثال لا الحصر، ما اقترفته ألمانيا النازية بحق شعب ناميبيا، وكذلك المأساة التي حلت بالأرمن، والمجازر الوحشية التي ارتكبها البريطانيون بحق الهنود البنغال، والتي أسفرت عن مقتل ما يناهز ثلاثة ملايين شخص. ولا يمكننا أن نغفل أبدًا إلقاء القنبلتين النوويتين المدمرتين على سكان مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان. فالإبادات الجماعية والمجازر الوحشية بحق الآخرين لم تكن حكرًا على الأنظمة الفاشية النازية الألمانية، بل إن ما تعرض له السود في أفريقيا على أيدي الغرب المستعمر، وما حل بالسكان الأصليين في أمريكا الشمالية على يدي المستوطن الأبيض، هو عين المصير الذي لقيه السكان الأصليون للقارة الأسترالية. ولا يمكن بحال من الأحوال إغفال ما تعرض له الشعب المكسيكي أو الشعب الصيني، الذي اكتوى بنار المجازر الممنهجة في حرب منظمة شنَّتها عليه بريطانيا عن طريق الأفيون، وبالطبع لا يمكن نسيان المجازر البشعة التي ارتُكبت بحق الشعب الفيتنامي.

ولأن المحرقة النازية الألمانية بحق اليهود كانت أول إبادة جماعية يرتكبها الرجل الأبيض بحق الرجل الأبيض، كان ذلك سببًا عميقًا للإحساس بالذنب الذي استبد بالمجتمعات الغربية، ولذلك يبدو الغرب اليوم متصلبًا وفي حالة إنكار تام لما تقوم به إسرائيل من مجازر دامية بحق الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزة المحاصر، على عكس سكان جنوب العالم الذين يدركون تمامًا معنى الإبادة الجماعية، لأنهم عانوا منها تاريخيًا، وبالتالي هبُّوا على الفور للتظاهر والاحتجاج، وعبَّروا عن موقفهم بصلابة ووضوح لا لبس فيهما.

الإبادة الجماعية المروعة الحاصلة في غزة، والتي تُبثُّ على الهواء مباشرة على مدار الساعة، ويتم تكريس استمرار أهدافها بوسائل شتى ومختلفة، مثل القتل المتعمد والتجويع الممنهج وإيقاف خدمات العلاج ومنع الدواء وسائر أوجه العيش الآدمي الكريم، هي شهادة إدانة قاطعة بحق المجتمع الدولي المتخاذل، ومحرقة جديدة بهدف واحد ونفسه، ولكن هذه المرة بأدوات مختلفة أشد فتكًا وتدميرًا.

إن ما نشهده من إنكار وتجاهل في الأوساط الغربية تجاه المجازر الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين العُزَّل، لهو يؤكد ما قاله المؤلف الأمريكي البارز نورمان ج. فنكلستين عن حرص مؤسسات يهودية نافذة على إبقاء محرقة واحدة فقط ماثلة أمام أنظار العالم، وهي المحرقة النازية بحق اليهود "الهولوكوست"، وهي المسألة التي أطلق عليها "صناعة الهولوكوست" في كتابه الذي يحمل نفس العنوان. في هذا الكتاب القيِّم، يكشف البروفيسور نورمان ج. فنكلستين حقائق مُغيَّبة في أغلب الدراسات المتعلقة بالهولوكوست (أو المحرقة اليهودية) إن لم يكن جميعها. فالحديث عن الهولوكوست لم يظهر في الولايات المتحدة إلا بعد حرب 1967، وذلك بهدف حرف النقد عن سياسة «إسرائيل» التوسعية الاستيطانية. ويكشف الكاتب زيف عددٍ كبيرٍ من شهادات «الناجين من الهولوكوست». كما يفضح الخداع والتضليل الذي تمارسه المنظمات اليهودية الأميركية بحق الدول الأوروبية وبحق «الورثة الشرعيين» للحسابات اليهودية الراكدة في البنوك الأوروبية، من أجل ابتزاز أكبر قدر ممكن من المال لدعم خزائن تلك المنظمات المشبوهة ولدعم إسرائيل وتسهيل الهجرة إليها.

الإبادة الجماعية المروعة الحاصلة في غزة بحق الفلسطينيين الأبرياء مستمرة بكل أسف، في ظل الإنكار والتعتيم المتعمد من قبل المجتمع الدولي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة